HAMADA
عدد المشاركات : 213 تاريخ التسجيل : 20/04/2009 العمل/الترفيه : طالب
| موضوع: الام معلمة الطفل الاول الأحد مايو 03, 2009 9:41 am | |
| اتصف القرن العشرون باهتمامه بالطفولة: فالحقوقيون سنوا تشريعات تحميه، وامتنع أرباب العمل عن تكليف الصغار بأعمال شاقة، وعكف علماء النفس والتربية على دراسات هدفها الوصول إلى الطرائق المثلى في التربية والتعليم، وإتباع خير الأساليب في رعايتهم من النواحي الصحية والعقلية، والنفسية.
وهكذا فإن المختصين من علماء النفس والمربين تمكنوا من ابتكار الطرائق في التعليم تتناسب مع الحالات النفسية للأطفال وظهرت طريقتا "مونتسوري الإيطالية. وديكرولي البلجيكي" ولكننا سنخص بالبحث طريقة لم يستخدمها من العلماء إلا القلائل بادئ ذي بدء، ولكن بصورة بدائية. ولم تصل إلى الوضوح في تطبيقها إلا عندما رسم لها العالم ديكرولي الأسس النهائية مستنداً في ذلك على معطيات علم النفس وعلم التجارب التي شملت الأولاد الأسوياء منهم وغير الأسوياء، والتي قام بها مع مساعديه، وجربت في بلاد مختلفة باللغتين الفرنسية والإنكليزية، ولذا سنخص بالذكر في البحث – طريقة ديكرولي بالذات قناعة منا بأنه الرائد الأول لطريقة انتشرت انتشاراً كبيراً في جميع أرجاء العالم، وطرحت على بساط البحث والنقاش، وانعقد من قبل العاملين في حقل التربية مرات عديدة، ثم جربت على الصعيد الرسمي في مدارس العالم.
يرى ديكرولي بأن خطأ علماء النفس والمربين ممن سبقوه أنهم يجهلون الطريقة التي كونوا يها وظائفهم النفسية: فتصوروا أساليب من أجل تربية الطفل لا تتبع مطلقاً الطريق الطبيعي لهذا النمو.
يدعي الكبار أنهم: بحجة السير بسرعة، يوجهون الطفل في الطريق الذي يتصوره الأشخاص المختصون على أنه الطريق القويم والصحيح ، بعد أن نسوا تماماً محاولاتهم والالتواءات التي مروا بها قبل أن يصلوا إلى ما هم عليه.
وهناك أسباب ودوافع أساسية أوحت لديكرولي بطريقته – الكلية – البصرية – السمعية:
1- إن الفعاليات العقلية للطفل ذات الصلة بالإدراكات البصرية – والسمعية والمفصلية – العضلية هي كلية في الأصل. ولما كان تعلم القراءة يستدعي إسهام عدة وظائف عقلية، وجب البدء به بدءاً كلياً.
2- إن أهم الوظائف الحسية التي تسهم في تعليم القراءة هي الوظيفة البصرية فهي تلتقط الصور بوساطة الأعصاب المختصة وتسجلها في الذاكرة مع مدلولاتها ومعانيها تصور الكلمات الآتية: نأي، سما، عصا هذا، أولئك– دون الاعتماد على الحاسة البصرية، ومن المهم أن نعلم بأن الوظيفة البصرية تصل إلى النضج بوقت أقصر من نضج باقي الوظائف، وهذا يظهر الأهمية الأساسية لهذه الوظيفة في تلقي الإحساسات وفي إدراك الأشكال والألوان، والمسافات والحركات والتنقلات الخ.. .
والعين تقدم لنا مفاهيم من العالم الخارجي أغزر وأدق وأوسع مما تقدمه لنا الأذن، ولذا يجب أن يكون التعليم، وبخاصة القراءة والكتابة بصرياً، لأن العين توصل إلى الطفل معارف أكثر ملائمة. والمثال الواضح على ذلك هو دقة وسرعة تعلم القراءة من قبل الأطفال الصم المبصرين. ففاقد السمع يتعلم القراءة والكتابة بسهولة ويتعلمها بالطريقة الكلية. وإن أعمال المبصرين من الطلاب الصم خالية من الأخطاء الكتابية.
3- يجب السير من المحسوس إلى المجرد. ومن الفكرة الحية والمفهومة، لنصل في الوقت المناسب إلى التحليل ثم التركيب: يعرض ديكرولي الجملة أمام عين الطفل ليتعرّفها ويتمثلها، ثم يوجه اهتمامه نحو أجزائها لتقسيمها إلى عناصرها أي: إلى كلمات ومقاطع وحروف، ثم يطلب منه جمع الحروف في مقاطع ثم في جمل مفيدة.
لنر كيف كان ديكرولي يعلم الأطفال القراءة حسب طريقته: يعرض الجملة أمام عيني الطفل ليتعرّفها ويتمثلها، ثم يكلفه بإجراء مقارنات ، ويوجه اهتمامه نحو أجزائها لتقسيمها بعد ذلك إلى عناصرها أي إلى كلمات ومقاطع ثم إلى حروف، ويطلب منه بعد ذلك جمع هذه الحروف في كلمــات، ثم في جمل مفيدة (وطريقة:"انظر وقل" المتبعة في أكثر بلاد العالم هي نتيجة لطريقة ديكرولي).
ونعتقد بأن هذا الأسلوب يتجاوب مع نفسية الطفل، وهو أسلوب اقتصادي يوفر على المربين، وعلى الطفل كثيراً من الجهد والوقت. وهكذا فإننا نتبع مع الطفل في تعليمه القراءة نفس الطريق الذي تعلم به اللغة من أمه، ومن أهله ومن مجتمعه: تتكلم الأم فيسمعها الطفل ويتكلم من يحيطون به فيسمعهم ويقلدهم فالكلام الذي يداعب سمعه، والأصوات التي تسقط على أذنيه هي ذات مغزى، وتدل على أفكار حية وحقيقية، لها صلة وثيقة بحياته وعواطفه وحاجاته. ولها صلة بروح المجتمع. إنه لا يسمع الحروف منفردة أو منفصلة عن الكلمات. وعندما يبدأ بالتعبير فإنه يلفظ كلمات تدل على أفكار تامة : فيقول– بابا – ويقصد بذلك بأن والده حضر أو ذهب أو أنه يرغب في مرافقة – بابا – عند ذهابه من المنزل، ويتوصل بعد ذلك إلى لفظ جملة تامة. ويبدأ بعد ذلك بالتحليل بصورة عفوية . فتراه يجزئ الكل ويحلله إلى عناصره، ويكتشف أخيراً مركبات هذا الكل ( الكلمات والمقاطع والحروف ) وينظر إليها نظرة فاحصة وإرادية ويدرك مقوماتها.
ولذا فإنه من الطبيعي والمعقول أن نتبع في تعليم القراءة نفس الطريقة التي تعلم بها الطفل الكلام، وهي طريقة طبيعية وعفوية.
يقول أحد العلماء في هذا الصدد: " لا تجوب الكلمات المسموعة أذهاننا كصور لنقاط متتابعة – ولا تتكون في الذهن على شكل كلمات أو أصوات للجملة تم بصورة متقطعة ومنفردة في ظرف ما – ولكن على العكس من ذلك فإنها تفرض على الذهن دفعة واحدة بكليتها كما يفرض اللحن الموسيقي ككل، ولا يتصور المستمع للنوتة كل مقطع على حدة بل يدرك الألحان مسكوبة في قالب خاص يقبض النفس أو يأخذ بمجامع القلوب، ولا يمكن لغير الموسيقي الخبير أن يدرك أصول اللحن وتفصيلات النوتة. أما المستمع العادي فلا يدرك سوى اللحن ككل ويطرب منه، ولا يتمكن من تحليله إلى أجزائه إلا إذا كان موسيقياً متمرساً. فيقوم بعملية تحليل، وتركيب سريعة، ويتذوق القطعة مع تذوق عبقرية المؤلف، وهذا عمل شاق – وخاص بالفنانين.
وكذلك فإنك تكون فكرة واضحة أو غامضة بنسبة ما للموضوع الذي تسمعه – من محاضر – من صلة بثقافتك وتجربتك أو ميولك. وعندما يطلب منك صديق ملخصاً عما سمعت فإنك لا تتذكر سوى الفكرة المكونة لهذا الكل إذ يستحيل تذكره كأفكار متتابعة، فالصورة الذهنية هي الفكرة الأساسية فقط.
وتعلم القراءة والكتابة بالطريقة ( البصرية – السمعية ) يطرد الملل والسأم من نفوس الصغار. فالطفل لا يتمكن من البقاء أمام الكتاب ساعات وساعات مجهداً نفسه في تعلم إشارات مستقلة ومبعثرة لا جاذبية فيها ولا معنى لها (الحروف).
ففي قراءته للجمل يشبع فضوله لأنه يقرأ من خلالها حوادث تتصل بحياته ومفاهيم في مستواه العقلي وعواطفه وتجاربه اتصالاً وثيقاً.
لقد انتشرت الطريقة ( البصرية – السمعية ) في تعليم القراءة والكتابة التي أدخلها ديكرولي إلى التربية في نطاق علمي، وهذه الطريقة قامت على محاولات سابقة، وعلى ما توصل إليه علم النفس من حقائق ثابتة، ثم إنها أخذت بالانتشار رغم الاعتراضات التي أرسلت من أقلام بعض المعلمين والمعلمات والوجهين والموجهات.
لقد جربت هذه الطريقة بعد ذلك في بلدان مختلفة وفي لغات متعددة ودخلت التجربة ميدان التربية في البلاد العربية وتبين بأن نجاحها يحتاج إلى المعلم المؤهل تأهيلاً تربوياً كافياً، متفهماً للطريقة، واعياً لجوانبها ومسوّغاتها النفسية، مطلعاً على التطبيق العملي.
أما تركيز انتباه الصغار، فمما لا ريب فيه أن الطفل يهتم بالصور والفكر والحوادث التي يفهمها، وهذا الاهتمام يكون حتماً للصور والفكر والحوادث التي تكون واضحة وكلية، قريبة من تجاربه ومداركه أثرت في حواسه وتفاعلت مع عواطفه وعقله.
أمـا أن يفهم الجزء من الصــور أو من الفكر أو الحوادث فهذا أمر بعيد عن الحقيقة. ولذا فإن التعليم بالطريقة الجميلة يجذبه حسب ما بينا. فيقرأ الجملة ويفهم معناها ويتلذذ بذلك ويفرح بقدرته على القراءة والفهم. وبالتالي فإن اهتمامه بها يكون أكيداً، ولم نشاهد طفلاً واحداً لا يهتم بدرسه أو بتبرم به، وجميع الأولاد الذين تعلموا حسب الطريقة المذكورة كانوا سعداء بما يقرؤون، مرتاحين ما يفهمون ولما يتعلمون.
والطفل يفهم بطريقة ديكرولي دونما أي عناء، بسبب هذه الوسائل من بطاقات إلى صور إلى لوحات وهذه الوسائل التعليمية المعينة معروضة أمامه في الصف على الجدران وعلى السبورة، وفي محفظات صغيرة بين يديه يتداولها الأولاد فيما بينهم، فهو يتعرف بوساطة حاسة البصر على الجمل بمضمونها الفكري، معروضة في لوحات، ويعرفها أيضاً بوساطة حاسة السمع. لأن المعلم أو المعلمة يقرأان مضمونها، والأولاد يرددون. ويتعرف شخصيـات القصــة أو موضوع الدرس بوساطة الحاسة اللمسية – الحركية عندما يلعب بالدمى أو يعبث بالألاعيب، وتصبح بينه وبينها صلة وثيقة وتعاطف، فتكون هكذا جميع حواسه قد اشتركت في ربط هذه الصلة بينه وبين موضوع دروسه ثم يحـاول الكتـابة ويسعـد عندما يشعر بأنه يعرف الكتابة مهما كان ما يكتب بدائياً، ومهما كانت الأخطاء كثيرة.
أما كيفية الوصول إلى معرفة الحروف فقد لاحظنا أن الصغار يكتشفون بعد مدة من التمرين، تطول أو تقصر ( التمرين على القراءة الجملية ) أن الكلمات تتركب من مقاطع، ويمكن لهذه المقاطع أن تجزأ إلى حروف، ويتم هذا الاكتشاف بمساعدة المعلم أو المعلمة أحياناً، وبدون هذه المساعدة أحياناً أخرى.
وعندما يصل الصغار إلى هذه المرحلة، يبدأ من جديد، وفضول كبير لمعرفة الحرف الذي بدا للوهلة الأولى مجهـولاً وطلسمـاً من الطلاسم، ليصبح واضحـاً، مستقلاً عن الكلمة. إنها عملية ذهنية ثابتة لا جدال فيها.
إن في محاولات اكتشاف الحروف لذة وجهداً، ولكنه جهد محبب فيه حيوية تجعل من الولد قوة فعالة يقبل بواسطتها على العمل برغبة نابعة من نفسه فالعمل هنا مثير للانتباه، على عكس ما كان متبعاً سابقاً في تعليم الحروف أولاً.
والخلاصة: فإن نتائج هذه الطريقة مشجعة جداً، ومن المهم أن نبين أن الأولاد الذين يتغيبون لأسباب مرضية أو غيرها لا يشعرون بصعوبات في تعلم الدروس الجديدة عندما يعودون إلى المدرسة، رغم فترة الانقطاع، ذلك لأن المعلم لا يسير في بنائه لبنة إثر أخرى، ومن جزء جاف لا معنى له إلى جزء أكثر منه جفافاً.. إنما يعالج فكرة وكلاً مدركاً ومفهوماً والكل بطبيعته متصل بجميع ما تقدمه الفكرة بحكم تركيبه، لأنه نتيجة لها.
فالإدراك يستوعب دفعة واحدة. فهو يمثل أمام الحواس بصورة مستقلة، واليوم وبعد محاولات كثيرة وموفقة في بعض البلاد العربية، فقد كسبت الطريقة– البصرية – السمعية أو الطريقة الجملية، النصر الأكيد.
| |
|